responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 474
[سورة البقرة (2) : آية 40]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
اعْلَمْ أَنَّ فِيهِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ إِسْرَائِيلَ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَيَقُولُونَ إِنَّ مَعْنَى إِسْرَائِيلَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَنَّ «إِسْرَا» فِي لُغَتِهِمْ هُوَ الْعَبْدُ وَ «إِيلُ» هُوَ اللَّهُ وَكَذَلِكَ جِبْرِيلُ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَمِيكَائِيلُ عَبْدُ اللَّهِ.
قَالَ الْقَفَّالُ: قِيلَ إِنْ «إِسْرَا» بِالْعِبْرَانِيَّةِ فِي مَعْنَى إنسان فكأنه قيل رجل الله فقوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ خِطَابٌ مَعَ جَمَاعَةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَيَّامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَدُّ النِّعْمَةِ أَنَّهَا الْمَنْفَعَةُ الْمَفْعُولَةُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الإحسان إلى الْغَيْرِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا زِدْنَا هَذَا لِأَنَّ النِّعْمَةَ يُسْتَحَقُّ بِهَا الشُّكْرُ وَإِذَا كَانَتْ قَبِيحَةً لَمْ يستحق بها الشكر والحق أن هذا القيد غير معتبر لأنه/ يجوز أن يستحق الشكر بِالْإِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مَحْظُورًا لِأَنَّ جِهَةَ اسْتِحْقَاقِ الشُّكْرِ غَيْرُ جِهَةِ اسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ، فَأَيُّ امْتِنَاعٍ فِي اجْتِمَاعِهِمَا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ بِإِنْعَامِهِ وَالذَّمَّ بِمَعْصِيَتِهِ فَلِمَ لا يجوز هاهنا أن يكون الأمر كذلك؟ ولنرجع إلى تفسي الْحَدِّ فَنَقُولُ: أَمَّا قَوْلُنَا: الْمَنْفَعَةُ فَلِأَنَّ الْمَضَرَّةَ الْمَحْضَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نِعْمَةً، وَقَوْلُنَا: الْمَفْعُولَةُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْسَانِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَفْعًا وَقَصَدَ الْفَاعِلُ نَفْعَ نَفْسِهِ لَا نَفْعَ الْمَفْعُولِ بِهِ كَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى جَارِيَتِهِ لِيَرْبَحَ عَلَيْهَا أَوْ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَهُ إِلَى ضَرَرٍ وَاخْتِدَاعِهِ كَمَنْ أَطْعَمَ خَبِيصًا مَسْمُومًا لِيُهْلِكَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، نِعْمَةً فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مَفْعُولَةً عَلَى قَصْدِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ كَانَتْ نِعْمَةً. إِذَا عَرَفْتَ حَدَّ النِّعْمَةِ فَلْنُفَرِّعْ عَلَيْهِ فُرُوعًا: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا يَصِلُ إِلَيْنَا آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنَ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النَّحْلِ: 53] ، ثُمَّ إِنَّ النِّعْمَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: نِعْمَةٌ تَفَرَّدَ اللَّهُ بِهَا نَحْوَ أَنْ خَلَقَ وَرَزَقَ، وَثَانِيهَا: نِعْمَةٌ وَصَلَتْ إِلَيْنَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِأَنْ خَلَقَهَا وَخَلَقَ الْمُنْعِمَ وَمَكَّنَهُ مِنَ الْإِنْعَامِ وَخَلَقَ فِيهِ قُدْرَةَ الْإِنْعَامِ وَدَاعِيَتَهُ وَوَفَّقَهُ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ إِلَيْهِ، فَهَذِهِ النِّعْمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْضًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَجْرَاهَا عَلَى يَدِ عَبْدِهِ كَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَشْكُورًا، وَلَكِنَّ الْمَشْكُورَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ [لُقْمَانَ: 14] فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ،
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» .
وَثَالِثُهَا: نِعْمَةٌ وَصَلَتْ إِلَيْنَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِوَاسِطَةِ طَاعَاتِنَا وَهِيَ أَيْضًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَفَّقَنَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَأَعَانَنَا عَلَيْهَا وَهَدَانَا إِلَيْهَا وَأَزَاحَ الْأَعْذَارَ وَإِلَّا لَمَا وَصَلْنَا إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ جَمِيعَ النِّعَمِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ. الْفَرْعُ الثَّانِي: أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبِيدِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَدُّهَا وَحَصْرُهَا عَلَى مَا قَالَ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [النَّحْلِ: 18] وَإِنَّمَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَا أُودِعَ فِينَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَاللَّذَّاتِ الَّتِي نَنْتَفِعُ بِهَا وَالْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ الَّتِي نَسْتَعْمِلُهَا فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَالَمِ مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَمَا وُجِدَ فِي الْعَالَمِ مِمَّا يَحْصُلُ الِانْزِجَارُ بِرُؤْيَتِهِ عَنِ الْمَعَاصِي مِمَّا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَنَافِعُ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هِيَ اللَّذَّةُ أَوْ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَى اللَّذَّةِ وَجَمِيعُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُلْتَذُّ بِهِ نِعْمَةٌ وَكُلُّ مَا يُلْتَذُّ بِهِ وَهُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَالَّذِي لَا يَكُونُ جَالِبًا لِلنَّفْعِ الْحَاضِرِ وَلَا دَافِعًا لِلضَّرَرِ الْحَاضِرِ فَهُوَ صَالِحٌ لِأَنْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الصَّانِعِ الْحَكِيمِ فَيَقَعُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَهُمَا وَسِيلَتَانِ إِلَى اللَّذَّاتِ الْأَبَدِيَّةِ فَثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 474
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست